سقوط المتاع الزائف تحت تحولات الاقتصاد الوطني
يعلو كثير من التساؤلات الحائرة في ذهنية عديد من الأطراف ذوي العلاقة بالقطاع الخاص تحديدا، وبمجريات أنشطة الاقتصاد الوطني عموما، حول الآثار المحتملة للتحولات الجارية خلال المرحلة الراهنة في هيكلة الاقتصاد الوطني، وهي تحولات كثيرة جدا، عدا أنها تضرب في عمق أغلب، إن لم يكن كل متغيرات الاقتصاد والمجتمع على حد سواء.
يشترك في تلك التساؤلات العديدة الفرد العامل والتاجر ورجل الأعمال والباحث عن عمل والمتقاعد وكل الأطياف الاجتماعية على اختلاف مواقعها. كل يحاول فهم واستيعاب ما يجري أمامه من متغيرات وتحولات متسارعة، وفقا للأرض التي يقف عليها. صاحب الأراضي والعقارات يجاهد لاستيعاب ما اختلف عليه اليوم، مقارنة بعقود مضت كان لا يسأله أحد ماذا اشترى وماذا باع؟ يجد نفسه مطاردا من الأجهزة الحكومية، لحثه على تطوير المساحات الشاسعة من الأراضي التي بحوزته، أو التخارج منها لمصلحة غيره ممن لديه القدرة على تطويرها، وضخها في جانب الانتفاع منها سكنيا أو تجاريا، أو أنه سيدفع رسوما لا قبل له بها.
وصاحب الأعمال الصغير منها والمتوسط والكبير، الذي كان إلى وقت قريب يجد نفسه أمام بوابة واسعة للاستقدام دون قيد أو شرط، أصبح في منطقة لا يحسد عليها، تحت شروط وإجراءات توطين ما لديه من فرص عمل، كانت ولا تزال في قبضة الملايين من العمالة الوافدة المهاجرة، على حساب أبناء الوطن من العاطلين والعاطلات، إما أن يلتزم بالمتغيرات الجديدة، أو أن يتحمل تكلفة استدامة ما كان عليه من تشوهات لم يعد مقبولا أبدا أن تبقى على ما كانت عليه.
متاع زائف أخرجه لاقتصادنا ومجتمعنا المعاصر، تشوهات تراكم وجودها على كاهل الجميع، وأصبح لزاما أن تسقط نتيجة التحولات والإصلاحات الاقتصادية الراهنة، وبسقوطها والقضاء عليها، لا بد أن تكون أولى النتائج هي سقوط ذلك المتاع الزائف، ولن يحمل أحد في قلبه حسرة وندامة عليه، إلا من كان منتفعا منه دون غيره من الأطراف، في الوقت الذي كان الاقتصاد والمجتمع يتحملان كثيرا من الخسائر والنزيف المالي والاقتصادي غير المبرر.
لماذا كل هذا؟ أثبتت الوقائع والتحديات الراهنة، استحالة استدامة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المنشود، بالاعتماد فقط على مداخيل مورد ناضب كالنفط، وأن احتياجات وتطلعات الاقتصاد والمجتمع الراهنة ومستقبلا، أصبحت تفوق كثيرا ما يغدقه النفط من دخل على الاقتصاد، هذا أولا. ثانيا: إن الأوضاع العتيقة السابقة للاقتصاد طوال خمسة عقود مضت، كما أنها أنتجت إيجابيات عديدة تنمويا واقتصاديا واجتماعيا، إلا أنها أيضا أفرزت تشوهات بالغة الخطورة، وأظهرت مؤشرات الاقتصاد عبر العقود الخمسة الماضية، تضاؤل الإيجابيات مقابل تصاعد التشوهات عقدا بعد عقد، الذي اقتضى بدوره ضرورة قصوى لإجراء تغييرات وإصلاحات جذرية هيكلية للاقتصاد، تستهدف وضعه على طريق آخر أكثر أمانا واستقرارا، ستتصاعد نتائجه الإيجابية على الاقتصاد والمجتمع عاما بعد عام، وصولا إلى نهاية مرحلة التحولات بعد عقد من الزمن من تاريخ اليوم. إنه طريق بالغ الأهمية للتحول والإصلاح وإن حمل ذلك في بدايته بعض المشاق على الجميع، إلا أنه سيكون أخف وطأة بدرجات كثيرة من وطأة النتائج المريرة لنهاية الطريق القديم، المعتمد بدرجة كبيرة جدا على دخل النفط فقط!
نقلا عن الاقتصادية